خلال زيارتها للمملكة المتحدة، لم تخفِ رئيسةُ المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قناعتها باستحالة توصّل لندن وبروكسل إلى اتفاق تجا...
خلال زيارتها للمملكة المتحدة، لم تخفِ رئيسةُ المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قناعتها باستحالة توصّل لندن وبروكسل إلى اتفاق تجاري شامل خلال المهلة المحددة حالياً والتي تنتهي مع نهاية العام الجاري، وحذرت من إمكانية أن تفقد بريطانيا دخولها المفتوح إلى السوق الأوروبية في حال رفضت تمديد محادثات الشراكة، بعد خروجها من التكتّل، إلى ما بعد عام 2020.
على ضوء نتائج الانتخابات التي شهدتها المملكة المتحدة منتصف الشهر الماضي، والتي حصل فيها رئيس الحكومة بوريس جونسون على أغلبية مريحة في البرلمان، فقد بات من شبه المؤكد أن يوافق البرلمان على خطته للخروج من الاتحاد الأوروبي في الحادي والثلاثين من شهر كانون الثاني/يناير الجاري، وهذا يعني أن ثمّة 11 شهراً فقط أمام لندن وبروكسل لعقد اتفاق شراكة اقتصادية جديدة تضمّ التجارة والجمارك وقواعد حماية البيانات وغيرها من العناوين الرئيسة والفرعية في الملف الاقتصادي.
وقالت فون دير لاين في خطابها الذي سبق لقاءها مع جونسون: "من المستحيل التفاوض على كل ما ذكرته، والملفات الأخرى كذلك، لذلك، سيتعين علينا تحديد الأولويات، طالما أننا نواجه هذا الموعد النهائي وهو نهاية 2020"، مستطردة بالقول: "ستكون هناك محادثات صعبة مقبلة، وسيقوم كل جانب بما هو أفضل لمصالحه".
مواقف فون دير لاين التي تضمّنها الخطاب، ما هي إلا رجع صدى لمواقف كبير المفاوضين الأوروبيين، ميشيل بارينييه، الذي كان أخبر نوّاب البرلمان الأوروبي العام الماضي أن "إجراء مفاوضات شاملة في غضون 11 شهراً أمرٌ غير واقعي، وبالتالي فإنه لا يمكن إنجاز كل شيء"، وقال مستطرداً: "سنقوم بكل ما في وسعنا للحصول على ما أسميه الحد الحيوي الأدنى"، على حد تعبيره.
ما يسميه بارنييه "الحد الحيوي الأدنى" هو ما يسعى إليه جونسون وغيره من أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذين يعارضون تمديد الفترة الانتقالية للوصول إلى اتفاق بشأن القضايا الرئيسة التي ستشكل الأساس لمستقبل العلاقات التجارية بين الطرفين.
ومن المتوقع أن تنطلق قاطرة المفاوضات بين بروكسل ولندن، بشأن الصفقة التجارية بمجرد حصول جونسون على مصادقة البرلمان على اتفاق الانسحاب الذي كان وقّعه مع قادة الاتحاد الأوروبي في السابع عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
الباحث في الشؤون السياسة بمركز الأبحاث الدولي التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، نيك ويتني، أعرب عن اعتقاده أن الحديث يدور الآن عن إبرام صفقة سريعة بين لندن وموسكو على أن يتمّ لاحقاً استكمالها، وتلك الصفقة تتعلق بالبضائع من غير أن يكون هناك محاصصة ولا رسوم جمركية.
وقال ويتني لـ"يورونيوز": إن مثل هذه الصفقة يمكن أن "تبقي صناعة السيارات البريطانية مستمرة" وتوفر سوق تصدير للحوم البريطانية، لكن العقبة الرئيسة ستكون صيد الأسماك في المياه البريطانية من قبل الدول الأوروبية، وهذه المسألة يعتبرها الجانبان خطا أحمر.
ثمان دول في الاتحاد الأوروبي، من بينها فرنسا وبلجيكا وإسبانيا تصطاد حالياً في مياه الاتحاد الأوروبي، وفي حال اتّخذ التكتّل موقفاً متشدداً بشأن الوصول إلى المناطق الوفيرة بالأسماك، فحينها قد يضطّر جونسون للتضحية بصناعة الصيد البريطانية في حال ما أصرّ على إبرام صفقة سريعة.
يقول ويتني: "بوريس جونسون سوف يضطر إلى التراجع،عاجلاً أم آجلاً، إذ ستنحصر صناعة الصيد في المملكة المتحدة في نهايات النهر"، على حد تعبيره، مضيفاً: "سيبدو الأمر مهينًا، [لكن] لا أستبعد أن يكون بوريس جونسون مستعداً للمغامرة في إجراء تلك المفاوضات بهدف الحصول على صفقة تجارية في غضون 12 شهراً".
هناك مسألة شائكة أخرى تتمثل في حرية الحركة والتنقل والتي يريد أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن يضعوا قيوداً لها، لكن فون دير لاين قالت يوم أمس: "بدون حرية الحركة للناس، لا يمكن أن يكون لديك حرية لحركة رأس المال".
الاتحاد الأوروبي لا زال بإمكانه، لوجستياً، أن يعرقل خطط بوريس جونسون، على الرغم من أن البرلمان الأوروبي قد وعد بالتصويت على مشروع قانون الانسحاب في 31 كانون الثاني/يناير بشرط أن يجتاز هذا المشروع مجلسَ العموم ومجلس اللوردات قبل 25 كانون الثاني/يناير، وإن تمرير مشروع القانون من مجلس العموم واللوردات، وهو أمرٌ مرجّح، فإن الموافقة على الصفقة التجارية سيكون أمراً أكثر تعقيداً.
الصفقة "المجتزأة" لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد أن تستوفي الإجراءات البريطانية، ستحتاج إلى تصويت البرلمان الأوروبي، ثم التصديق عليها من قبل الدول الأعضاء الـ27 في التكتّل، كما أنها تحتاج إلى موافقة برلمانات إقليمية، وفي هذا السياق يجدر بالذكر أنه في العام 2016 تم حظر صفقة تجارية بين الاتحاد الأوروبي وكندا لعدة أشهر بسبب معارضة منطقة والونيا البلجيكية على تلك الصفقة.
مديرة شؤون الشركات والقضايا التنظيمية والقانونية في مركز الأبحاث الدولي التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، كارولين تيرنبول هول، تشير إلى إمكانية تبلور هذا السناريو، لكنّه "سيكون بمثابة ركود نهائي" للصفقة، على حد تعبيرها.
وتقول تيرنبول هول: "بعد حصول اتفاقية الانسحاب على موافقة المؤسسات المعنية في المملكة المتحدة، وحصولها على موافقة الاتحاد الأوروبي، [...]، بعدها نصل إلى نقطة تحديد ماهية الاتفاق التجاري الذي سيُعمل به بين الطرفين، وفي حال ما أعربت دولة ما (من دول التكتّل) عن عدم راضها، فإن ذلك سيفسد الاتفاق النهائي"، حسب قول تيرنبول هول.
وإذا لم تتمكن الصفقة "المجتزأة" من المرور عبر الاتحاد الأوروبي ودوله، دولة دولة، قبل التاريخ المقرر، فبإمكان بريطانيا ترك الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، وفقاً لمعاهدة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وحينها ستحكم العلاقة التجارية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي قواعدُ منظمة التجارة العالمية.
والبديل عن هذا السيناريو هو أن يعضّ جونسون على جرحه، ويطلب تمديد الفترة الانتقالية إلى ما بعد نهاية العام 2020، وهو الموعد النهائي الذي تمّ فرضه أصلاً عندما كان من المقرر أن تغادر المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي في شهر آذار/مارس من العام 2019 ، مع إعطاء ما يقرب من عامين للاتفاق على الصفقة التجارية بدلا من 11 شهراً.
إذا اختار جونسون هذا الخيار، فحينها يكون بحاجة إلى التقدم من الاتحاد الأوروبي بطلب هذا التمديد قبل حلول شهر حزيران/يونيو المقبل، "لكن في الوقت الراهن أعتقد أنه من الصعب التنبأ بذلك"، على حد قول تيرنبول هول.
ثمة أمرٌ مؤكد، وهو أن جونسون وأنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي يعتقدون أن السبيل الوحيد للتوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي هو أن يكون لديهم موعد نهائي ثابت (للخروج) مع اعتماد "داوننغ ستريت 10" رؤية تقوم على أن الطريقة المثلى للحصول على صفقة مع بروكسل، هي في تأخيرها إلى اللحظة الأخيرة، وفق ما يرى ويتني.
جونسون سيأخذ بعين الاعتبار أن الزعماء الأوروبيين سيتعرّضون لضغوط من القطاع الصناعي التي ترفض أن ترى "بريكست" من دون صفقة على نحو أشد من الرفض ذاته لغالبية القطاع الصناعي البريطاني.
COMMENTS