"رئة حديدية" بنسخة حديثة لمساعدة المرضى على التنفس..تتوفر في بريطانيا هذا العام وقد تسهم في التصدي لمشكلات صحية عالمية النطاق كالالتهاب الرئوي
جهاز "إكسوفينت" يستخدم تقنية "الرئة الحديدية" التقليدية لمساعدة المرضى على التنفس من دون تخدير(عن إكسوفينت) - الاندبندنت |
خلال العام الحالي، يُتوقع أن تتوفر في أجنحة مستشفيات هيئة الخدمات الصحية الوطنية "أن أتش أس" NHS البريطانية، نسخة القرن الحادي والعشرين من تقنية قديمة تُسمى "الرئة الحديدية" iron lung، سبق أن استخدمت في مساعدة الآلاف من مرضى شلل الأطفال على التنفس.
يتقدَّم فريق من الأطباء والعلماء والمهندسين قريباً بطلب إلى هيئة تنظيم الأجهزة الطبية في المملكة المتحدة، بغية الحصول على موافقة تسمح باستعمال جهاز "إكسوفينت" exovent، الذي من شأنه أن يحول، وفق كلامهم، دون حاجة بعض المرضى إلى التخدير ووضعهم على أجهزة تنفس اصطناعيّ تقتضي إقحام أنابيب داخل القصبة الهوائية عن طريق الفم لإيصال الهواء إليها.
يعتمد "إكسوفينت" المبدأ عينه الذي تعمل وفقه أجهزة الرئة الحديدية القديمة، وذلك عبر توليد ضغط سالب في الفراغ المحيط بصدر المريض، يدفع الهواء بلطف إلى دخول الرئتين. في المستطاع الاستعانة به لمساعدة المرضى في التنفس، أو يمكنه أن يتولّى عملية التنفس برمتها بدلاً منهم.
نظراً إلى أن الجهاز يحيط برئتي المريض على سرير المستشفى (ولا يتطلب أي إدخال لأنابيب إلى القصبة الهوائية)، لا يحتاج المريض إلى تخدير وفي مقدوره أن يبقى في حالة يقظة، ويأكل ويشرب ويتحدَّث.
الفريق المسؤول عن المشروع، الذي أنشأ مؤسسة خيرية (تُسمى "إكسوفينت") للمساعدة في تطوير فكرته، بدأ الاشتغال على الجهاز العام الماضي خشية نفاد أجهزة التنفس الاصطناعي في المملكة المتحدة ودول أخرى، نتيجة الطلب عليها من مرضى مصابين بفيروس "كورونا".
إيان جوسبري، الرئيس التنفيذي لشركة "إكسوفينت" ومهندس ميكانيكا طيران سابق، أخبر "إندبندنت" بأنّ "الجهاز ينطوي على فوائد جمة، ليس بالنسبة إلى هيئة الخدمات الصحية الوطنية هنا في المملكة المتحدة فحسب، إنما أيضاً على مستوى العالم. كل 40 ثانية، يتوفّى طفل بسبب الالتهاب الرئوي ونعمل على تطوير نموذج مخفّض التكلفة من "إكسوفينت" يمكن أن يُستخدم في علاج هؤلاء المرضى لأنّه لا يتطلّب اللجوء إلى وحدة العناية المركزة أو طبيب تخدير.
الجهاز الجديد قد يحصن المستشفيات بآلة قديمة جديدة للتعامل مع أمراض الرئة والجهاز التنفسي (عن إكسبوفينت) |
وإذ أسهب في شرحه قال، "من شأن "إكسوفينت" تقليص اللجوء المتكرِّر إلى وضع المرضى على أجهزة تنفس اصطناعيّ حيث يُصار إلى تنويمهم ويُقحم أنبوب في حلقهم من دون معرفة ما إذا كانوا سيستعيدون وعيهم أم لا.
أما المرضى الذين يُستخدم إكسوفينت" في علاجهم فلا يحتاجون إلى أدوية منومة طوال عملية التنفس الاصطناعي".
وفق جوسبري، "كثير من المرضى المصابين بأمراض من قبيل انسداد الشعب الهوائية المزمن والالتهاب الرئوي تلزمهم مساعدة في التنفس، و(الجهاز الجديد) وسيلة بديلة ألطف كثيراً لتعزيز التنفس وخفض خطر تلف الرئة الذي يصاحب مثيله الاصطناعي".
"الجهاز لطيف بشكل مذهل"، قال جوسبري في وصفه "إكسوفينت".
لم يتحقَّق الفريق من فاعلية "إكسوفينت" في تجربة سريرية كاملة بعد، لكنّ كثيراً من من مستشفيات هيئة الخدمات الصحية الوطنية جرّبه، بينها مستشفيات "جامعة برمنغهام"، التي أجرت اختبارات تؤكِّد جدواه.الآن، يعتزم الفريق التقدّم بطلب إلى هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية في بريطانيا، ويتوقع أن يُمنح الضوء الأخضر لاستخدام "الرئة الحديدية" الحديثة، في غضون أشهر.
قال جوسبري، "لدينا ثقة عظيمة، ونعتقد أنّه (الجهاز) قد يخرج إلى حيز الاستخدام في أقرب وقت، في أغسطس (آب) أو سبتمبر (أيلول) أو أكتوبر (تشرين الأول)، من العام الحالي".
وأعربت "مستشفى جامعة ساوثهامبتون" University Hospital Southamptonk، و"مستشفى كلية لندن الجامعية"University College Hospital London ، و"مستشفى الملكة إليزابيث في كينغز لين" Queen Elizabeth Hospital King’s Lynn ، عن اهتمامها باستخدام الجهاز.
وفق ورقة بحثية منشورة في مجلة "التخدير" Anaesthesia، التي تصدر عن "جمعية أطباء التخدير" Association of Anaesthetists، شارك متطوعون ستة، من بينهم ثلاثة خبراء كبار في التخدير، في تجربة لاختبار نماذج أولية من الجهاز صنعتها "مجموعة مارشال للفضاء والدفاع"Marshall Aerospace and Defence Group.
خلال التجربة، استلقى المتطوِّعون جميعهم على ظهورهم ناظرين إلى السقف مع رفع أسرتهم إلى أعلى بعض الشيء. بالإضافة إلى تلك الوضعية، اختبر ثلاثة منهم أيضاً الجهاز وهم مستلقون على بطونهم ووجهم إلى أسفل (ما يسمى "الرقود" prone). ضُبط الضغط بمعدلات مختلفة، وأخذت القراءات المتصلة بأداء الرئة.
أظهرت النتائج أنّ "إكسوفينت" كان قادراً على أن يمد الأشخاص الذين يتنفسون من تلقاء أنفسهم بتوسع رئويّ، وتنفس اصطناعي قوي حل محل عملية تنفسهم الطبيعية تماماً، وبالاكتفاء بمعدلات معتدلة من الضغط السالب.
اللافت أنّ المرضى الذين يُعالجون باعتماد "إكسوفينت" يتطلبون رعاية تمريضية أقل مقارنة بنظرائهم الموضوعين على أجهزة التنفس الاصطناعي، الذين يعتمدون بشكل كامل على الآلات والممرضين للبقاء على قيد الحياة.
ويمكن استخدام الجهاز الحديث في الأجنحة العامة في المستشفيات، وربما حتى في منازل المرضى.
تذكيراً، خلال جائحة "كورونا"، أثقلت المستشفيات مضطرة كاهل طواقمها من الممرضين حتى مستويات خطيرة بسبب حاجة المرضى إلى عناية مركزة وأوكسجين. وبينما احتاج بعض المصابين إلى أجهزة تنفس اصطناعي، استُخدمت أقنعة الأوكسجين لدفع الهواء إلى رئات آخرين.
قال جوسبري إنّ "إكسوفينت" يمكن أن يصبح أداة إضافية يستعملها الأطباء بغية مساعدة المرضى على تفادي أجهزة التنفس الاصطناعي كملاذ أخير.
كذلك في مقدوره أن يقلص الطلب على قارورات الأوكسجين، وقد حدث أن أعلن بعض المستشفيات تحذيراً طارئاً بسبب انحسار مخزونهم من الأوكسجين، ما اضطر إلى صرف عدد من المرضى خشية انقطاع الإمدادات.
في الجهاز الحديث، المستطاع أيضاً رؤية المريض عبر نافذة وكوة مغلقة حول الذراعين تسمح للممرضين بالوصول إلى جسم المريض عند الحاجة.
وفق التجارب، أفاد الممرضون بأنّه يمكن وضع الحجرة (الجهاز) وإزالتها بسرعة بواسطة شخصين، وفي المستطاع مراقبة المرضى والعناية بهم بأمان على الرغم من صعوبة الوصول إليهم.
وأضاف التقرير، "وجد جميع المتطوعين أن الحجرة مريحة، وذكروا على وجه الخصوص أنّ الأقفال الموضوعة لإغلاق الجهاز حول العنق والوركين كانت مريحة ومن السهل التحكم بها، واستطاعوا فكّها بأنفسهم لمدّ أذرعهم أو لمس وجوههم من دون أن يترك ذلك تأثيراً كبيراً في استقرار ضغط الحجرة.
"الأهم من ذلك، شعر جميع المشاركين في التجربة بأنّهم "يتحكمون في مجرى الأمور" إذ علموا أنّه يستطيعون متى أرادوا تحرير الضغط من فتحة واسعة موجودة أسفل أحد الأقفال.
عند تشغيل وضع التنفس الاصطناعي، ترك المشاركون جميعاً جهاز "إكسوفينت" يتولى عملية التنفس بدلاً منهم من دون أن تنتابهم أيّ رغبة في "مواجهته" أو يشعروا بأنّه غير طبيعي أو ليس مريحاً، وقالوا إنّهم أحسّوا بالاسترخاء؛ حتى أنّ أحد المشاركين نام في غضون دقائق"، على ما جاء في التقرير.
في ما يتعلق بالتكلفة، تشير تقديرات إلى أن تكلفة النسخة البريطانية من "إكسوفينت" نحو 8000 جنيه إسترليني (أي حوالى 10800 دولار أميركي)، وهي أقل سعراً كثيراً مقارنة بالأجهزة المعمول بها حالياً، علماً أنّ تكلفة "قناع ضغط مجرى الهواء الإيجابي المستمر" (الذي يُسمى اختصاراً "سي بي أي بي"CPAP ) 15 ألف جنيه إسترليني تقريباً (أي حوالى 20 ألف دولار أميركي)، وأجهزة التنفس الاصطناعي للعناية الحرجة أكثر من 30 ألف جنيه إسترليني (أي حوالى 40 ألف دولار أميركي).
وما يبعث على السرور أنّه يمكن صناعة نسخة مخفّضة التكلفة بأقل من 500 جنيه إسترليني (حوالى 675 دولاراً أميركياً) لاستخدامها على نطاق عالميّ.
COMMENTS