علي وديع حسن في اللغة العربية كما معظم اللغات الأخرى، هناك نوعان فقط من ضمائر الغائب المفردة: المذكر والمؤنث، وبالنتيجة تكون الأشياء غير ا...
علي وديع حسن |
في اللغة العربية كما معظم اللغات الأخرى، هناك نوعان فقط من ضمائر الغائب المفردة:
المذكر والمؤنث، وبالنتيجة تكون الأشياء غير العاقلة مصنفة بحيث تكون مذكرة او مؤنثة، وكل ما عليك هو سؤال شخص يحاول تعلم لغة جديدة كالألمانية لتدرك مدى إزعاج تذكر كل كلمة وأي ضمير يجب أن تستخدم معها.
لكن الأمور مختلفة وأبسط في الإنجليزية، ضميران للمذكر والمؤنث، وضمير ثالث لكل ما هو جماد!
لكن ومن بين مختلف أنواع الجماد التي عادة ما يشار إليها بضمير It، تأتي السفن كحالة خاصة وغريبة، فأينما بحثت تقريباً ستجد أن السفن والقوارب عموماً تعامل كما لو أنها أنثى عاقلة مع ضمائر مثل She وHer.
فقط تذكر بعض العبارات المتعلقة بالسفن مثل “Steady as she goes”، أو سواها، وسيظهر أن السفن دائماً تخاطب بهذه اللغة حتى عندما تكون الملكة البريطانية هي من تتحدث عنها.
في الواقع من الممكن ملاحظة الأمر بشكل ثانوي أيضاً من كون السفن التي تصمم وفق نفس الشكل العام تسمى “السفن الأخوات” (Sister Ships)، وحتى أن السفن التي تستطيع إطلاق بعض القوارب الصغيرة تسمى باسم “السفينة الأم” (Mother Ship).
لكن هل سألت نفسك عن سبب هذا الأمر؟ ولماذا السفن دوناً عن أي نوع آخر من الأشياء هي ما تسمى بهذه الطريقة غير المعتادة؟
التفسيرات والنكات حول الأمر
عند البحث عن أسباب التعامل مع السفن باستخدام الضمائر المؤنثة، عادة ما تكون أولى الأمور التي تظهر هي النكات العديدة حول الأمر، والتي تتراوح بين كونها دعابات مضحكة ربما، إلى أخرى تبدو مهينة إلى حد بعيد:
- لأنها كما السيدات، يجب أن تتعامل معها باحترام وتدرك ما تفعله جيداً وإلا فالعواقب وخيمة.
- السفينة متقلبة جداً ولا يمكن التنبؤ بما ستفعله، تماماً كما النساء.
- لأن السفن كما النساء لا يمكن الاعتماد عليها ولا فائدة منها دون رجل يديرها.
- لأن البحارة (Sea Men التي تشابه لفظياً كلمة المني في اللغة الانجليزية) ينتمون لأن يكونوا داخل أنثى، فمن الواجب أن تكون السفينة أنثى.
بالطبع وكما هو واضح، ليست أي من هذه النكات تفسيراً حقيقياً أو مقنعاً للأمر، بل أن معظمها تبدو أشبه بالنكات المزعجة التي قد يعتقد أحدهم منذ عقود أنها قمة الفكاهة ربما. لكن في حال بحثنا عن تفسيرات أخرى هناك فكرتان أساسيتان ربما تلعبان دوراً في الأمر.
المصدر اللاتيني لكلمة سفينة هو كلمة مؤنثة
عادة ما تتكرر نكتة “إن اللغة الإنجليزية ليست لغة حقاً، بل أنها 3 لغات تركب بعضها البعض وترتدي معطفاً متظاهرة بأنها لغة واحدة”. وهذه النكتة تمتلك أصولها في الواقع، حيث اللغة الإنجليزي هي لغة جرمانية في الأصل، أي أنها تنتمي لنفس عائلة اللغات الألمانية والهولندية والإسكندنافية، لكنها تمتلك الكثير والكثير من التأثيرات اللاتينية عليها، وليكتمل الأمر فشطر كبير من الكلمات الإنجليزية مأخوذة من الفرنسية والنورماندية ولغات أخرى.
كون اللغة الإنجليزية تستند على اللاتينية في الكثير من كلماتها، قد يبدو من المنطقي أن السفن مؤنثة لأن كلمة سفينة باللاتينية (Navis) هي كلمة مؤنثة، وبالتالي فقد احتفظت الإنجليزية بتأنيث الكلمة من هذا الأصل.
المشكلة الأساسية هنا هي وجود اللغة الفرنسية، ففي الفرنسية كلمة قارب (Bateau) وحتى سفينة (Navire) مذكرة تماماً، ومع أهمية التأثير اللاتيني على الإنجليزي، فالتأثير الفرنسي أقوى بكثير، وكان من الأولى أن تكون السفن مذكرة لو كان الأمر مجرد قواعد.
بالطبع هناك دائماً مشكلة أن السفن وحدها تمتلك هذه الحالة، فلماذا من الممكن أن تكون السفن مؤنثة فقط لأن مصدرها اللاتيني مؤنث، بينما آلاف الجمادات الأخرى تخاطب على أنها جماد تماماً مع أنها في اللاتينية مؤنثة أو مذكرة.
المصدر المرجح للتقليد
ربما يبدو الأمر غريباً، لكن كل ما عليك أن تفعله هو مراقبة سيارات النقل العام والحافلات وسيارات الأجرة، وتنتبه إلى العبارات التي عادة ما تكتب على زجاجها الخلفي، وفي حال استثنيت الحكم والمواعظ الطرقية، ستلاحظ أن الكثير منها يحمل أسماء أنثوية جداً، وهذا ليس بمحض المصادفة كون مجال النقل العام (حالياً على الأقل) هو مجال للرجال بالدرجة الأولى، ويتضمن ساعات عمل طويلة للغاية وعلاقة قوية مع المركبة.
بالنسبة للسفن في القرون الماضية لم يكن الأمر مختلفاً حقاً، فالبحارة كانوا ولا يزالون مكونين من الرجال بشكل شبه كامل. وكون هؤلاء الرجال يقضون أياماً وأسابيع أو حتى أشهر متواصلة على متن السفن، فمن المنطقي أن يطلقوا عليها تسميات أنثوية تذكرهم بأمهاتهم أو زوجاتهم أو حبيباتهم اللواتي ينتظرونهم على اليابسة.
مع الوقت لم تعد علاقة البحارة بمركباتهم قوية حقاً كما الماضي، خصوصاً أن رحلات السفن اليوم أقصر نسبياً، والأعمال اللازمة على السفن أقل، بالنتيجة باتت العديد من السفن تحمل أسماء مذكرة، لكن حتى السفن التي تحمل أسماء مذكرة توصف باستخدام ألفاظ مثل She وHer.
اليوم وصف السفن على أنها مؤنثة هو مجرد تقليد ببساطة، تماماً كما أن كسر زجاجة من الشمبانيا على بدن السفينة عندما تنزل للمرة الأولى إلى الماء هو تقليد مهم للحظ الجيد. الأمر لم يعد يحمل أي معنى، لكنه شيء متعارف عليها ببساطة.
الاعتراضات على الضمائر الأنثوية
مع أن التعبير عن السفن كإناث لا يحمل ضمنه أية صفات سلبية حقاً، وهو أمر مسيطر تماماً لأي بحار أو عامل في مجال النقل البحري ضمن البلدان الناطقة بالإنجليزية، فالكثير ممن يبحثون عن أي شيء ليهينهم قد وجدوا ضالتهم في الأمر.
بالاستناد على نفس النكت الغبية التي ذكرناها أعلاه، فبعض الناشطات النسويات وجدن غريمهن هو وصف السفن بالضمائر المؤنثة، واعتبرن أن الأمر تمييز جنسي ضد النساء وأمر مهين لا يجب السماح به أبداً.
المؤسف هو أن الكثير من سجلات السفن قد رضخت لهذه الاحتجاجات الغريبة، وانتقلت لوصف السفن باستخدام ضمير It في الأعوام الأخيرة على أمل إرضاء المعترضين، لكن بالنسبة للبحارة، لطالما كانت السفن مؤنثة، وستبقى كذلك للأبد.
COMMENTS