رصيف22 يتواصل الجدل في المغرب حول الفيلم البريطاني "سيدة الجنة" ، الذي يقول صانعوه إنه يسرد "القصة غير المحكية" عن حياة...
رصيف22 |
يتواصل الجدل في المغرب حول الفيلم البريطاني "سيدة الجنة" ، الذي يقول صانعوه إنه يسرد "القصة غير المحكية" عن حياة فاطمة الزهراء ابنة النبي محمد ، ويتطرق إلى الصراعات حول خلافة النبي بعد وفاته.
بعد منع عرض الفيلم ، الذي ألّفه رجل الدين الشيعي ياسر الحبيب وأخرجه إيلي كينغ ، في المملكة المغربية بدعوى "تزويره الفاضح لحقائق ثابتة في التاريخ الإسلامي" و"استعمال السيدة فاطمة الزهراء لأغراض تناقض روح الدين وحقيقة التاريخ" ، يدور نقاشاً آخر راهناً بين مؤيدي سياسة المنع ومعارضيها.
"أقدم على فعل شنيع"
والسبت 11 حزيران/ يونيو، قال المجلس العلمي الأعلى ، وهو مؤسسة دينية حكومية مغربية تُعنى بالإفتاء ويترأسها العاهل المغربي ، إن الفيلم "يمس مشاعر المسلمين" ، متهماً إياه بـ"التزوير الفاضح لحقائق ثابتة في التاريخ الإسلامي" و"الإساءة للإسلام والمسلمين".
وتابع بأن العمل "أقدم على فعل شنيع لا يقبله المسلمون والمسلمات ، ألا وهو تمثيل شخص رسول الله" و"تجرأ بتحيز مقيت على استعمال شخص السيدة فاطمة الزهراء" وقام بـ"الافتراء على سيدنا أبي بكر".
كما اتهم صنّاع العمل بأنهم "يهدفون إلى تحقيق الشهرة والإثارة ، والترويج لمنتوجهم ، وتحقيق أكبر نسب من المشاهدة والمتابعة ، من خلال المس بمشاعر المسلمين وإثارة النزعات الدينية".
أعقب ذلك قرار من المركز السينمائي المغربي بـ"عدم منح التأشيرة (تصريح العرض) للفيلم ومنع عرضه التجاري أو الثقافي بالتراب الوطني (...) بناءً على موقف المجلس العلمي الأعلى".
منع بلا داعي؟
في الأثناء ، عبّر فريق من المغاربة رفضه لسياسة المنع تلك.
من هؤلاء الكاتب والناشط الحقوقي أحمد عصيد الذي انتقد الهجوم الشديد على الفيلم ومنع عرضه في البلاد ، منتقداً في الوقت عينه "التقديس المبالغ فيه للصحابة من طرف أهل السنة في مقابل التبخيس المبالغ فيه بحقهم من قبل الشيعة مع تعظيم شخصية الإمام علي".
وفق ما صرّح به عصيد لصحيفة "هسبريس" المحلية ، فإن "ما يسميه المغاربة تشويهاً للحقائق (في الفيلم) ليس إلا معتقدات الشيعة الذين يعتبرون أيضاً أن الرواية السنية تحمل تشويهاً للحقائق الشيعية".
وشدد: "المشكل أن كل طرف يعتبر أن روايته هي الإسلام الحقيقي" ، ملمحاً إلى أن "فصل الدين عن الدولة واعتباره شأناً شخصياً" هو الحل لوقف التناحر بين الجانبين معتبراً أن "استنكار هذا الفيلم يعكس الصراع التاريخي بين السنة والشيعة".
وعبر حسابه في فيسبوك، أضاف عصيد:
"الصراع الطائفي حول روايات دينية هو آخر ما يحتاج إليه المغرب والعالم الإسلامي حالياً.
الأجدى أن تتضافر الجهود من أجل إنقاذ هذه البلدان من التخلف والجهل والفقر. أما الدين فمن حق الأفراد أن يؤمنوا بما شاؤوا في حياتهم الشخصية دون ابتغاء الوصاية على عقول غيرهم أو الإضرار بهم أو هضم حقوقهم. لقد آن الأوان لهذه القصة الحزينة (قصة المنع) أن تنتهي".
وأوصى عصيد: "ينبغي تحصين البلاد ليس بمحاربة التشيع أو اضطهاد الشيعة الذين هم أقلية صغيرة جداً ، بل من خلال تقوية الخيار الديمقراطي الوطني ، وإحقاق المساواة في إطار المواطنة ، وإبعاد الدين عن الاستعمالات السياسية، ومواجهة الإيديولوجيات الدينية العنيفة".
أما المخرج المغربي عبد الإله الجوهري، فنبّه عبر حسابه في فيسبوك بأنه "شخصياً ، أرفض ثقافة المنع ، منع أي عمل إبداعي. كما أرفض البلاغات (البيانات) التي لا معنى لها ، اللهم معنى تكريس الشعبوية ومحاولة قول: ‘نحن هنا،". وزاد بأن صناع الفيلم البريطاني "لم يتقدموا بطلب الترخيص" لعرضه في المغرب ، معرباً عن دهشته من موقف المركز السينمائي من رفض التصريح دون وجود طلب تصريح بالأساس.
وختم الجوهري: "إنه فيلم ياسادة ، مجرد فيلم. أكيد ستتضاعف الآن عمليات مشاهداته ، بسبب حملة إعلامية تخدمه وتكرس وجوده أكثر مما تحاول منعه".
غضب وضجّة في بريطانيا أيضاً
يعقب قرار المنع المغربي احتجاجات وتظاهرات ضد الفيلم في المملكة المتحدة ، وتنديد به في مصر وباكستان وإيران والعراق ، وسط تخوف من رواج "سياسة الإقصاء والإلغاء" في هذه الدول.
في رأي عليم مقبول ، محرر الشؤون الدينية في "بي بي سي" ، فإن الإشكالية الأبرز لدى منتقدي العمل من المسلمين في "الطريقة التي صورت بها الرموز السنية المبجلة في أوائل ظهور الإسلام ، والتي اعتبروا أنها تنطوي على إشارة ضمنية إلى مقارنات بين سلوك تلك الشخصيات التي يكن لها السنيون احتراماً وتقديراً بالغين وما يفعله تنظيم داعش الإرهابي في العراق".
وأسفر الجدل حول الفيلم في بريطانيا عن إقالة قارئ عاصم (44 عاماً) ، وهو محامي وإمام مسجد "مكة" في ليدز ، من منصبه كمستشار للحكومة البريطانية لشؤون الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) بدعوى دعمه حملة تهدف إلى "الحد من حرية التعبير".
واتهمت الحكومة البريطانية الحملة المناهضة للفيلم بالتسبب في "مشاهد خارج دور السينما المختلفة ، بما في ذلك مقاطع فيديو مزعجة للغاية ، عن هتافات طائفية وكراهية ضد الشيعة" مردفةً بأن:
"الكراهية ضد الشيعة قضية طويلة الأمد وخطيرة للغاية ، ويجب التصدي لها ، في كل فرصة ، كجزء من جهد أوسع لمكافحة الكراهية ضد المسلمين".
وكانت سلسلة دور السينما البريطانية "سيني وورلد" Cineworld ، وهي ثانية كبرى سلاسل دور السينما على مستوى العالم ، قد ألغت جميع عروض الفيلم ، الذي بدأ عرضه داخل المملكة المتحدة في 3 حزيران/ يونيو الجاري ، من أجل "ضمان سلامة" موظفيها وزائريها ، إثر وقفات احتجاجية غاضبة خارج بعض دور السينما في المملكة المتحدة.
تزامن ذلك مع توقيع أكثر من 120 ألف شخص على عريضة تطالب بوقف عرض الفيلم في دور السينما في بريطانيا. ووصف مجلس مساجد بولتون ، وهو منظمة إسلامية غير ربحية ، الفيلم بأنه "مسيء للإسلام" و"قائم على أيديولوجية طائفية".
في غضون ذلك، تخوّفت شخصيات سياسية بريطانية بارزة من "سياسة الإقصاء" بينها وزير الصحة ساجد جاويد. ودافع مالك شيلباك ، المنتج التنفيذي للفيلم ، عن العمل في وجه دعوات المنع. قال: "إذا لم يعجبهم الفيلم فليمتنعوا عن مشاهدته بدلاً من ممارسة الرقابة عليه".
وحصل الفيلم على تقييم 5.7 على موقع "IMDb" ، حتى نشر هذه السطور. وحلّ في المرتبة 35 من أصل 562 فيلم ، مع نهج تصاعدي في الساعات الأخيرة مدفوعاً بالضجة حوله على ما يبدو.
COMMENTS