سيكون لزاماً على الأسرة المتوسطة أن تدفع 820 دولاراً لتغطية احتياجاتها من الغاز والكهرباء في يناير وحده (رويترز) | بن تشابمان محرر شؤون الم...
لا أحد يستطيع أن ينكر الآن أن المملكة المتحدة تمر بأزمة طاحنة تزداد عمقاً في مجال الطاقة، وفي غياب تدخل سريع وحاسم من جانب الحكومة تواجه الأمة بلا أدنى شك أزمة واسعة النطاق.
حتى الآن فشل المسؤولون في أن يوضحوا لعامة الناس حجم ما ينتظرهم، ذلك أن سقفاً [العتبة الأعلى] لأسعار الطاقة يعادل 3549 جنيهاً إسترلينياً (4170 دولاراً) يعني للأسرة المتوسطة أن الملايين من الناس سيعانون الأمرّين في مسعى لتدفئة مساكنهم، وستكون الأوضاع أسوأ في وقت لاحق، فالأسعار سترتفع إلى مستويات أعلى.
من الناحية الاقتصادية، يقتضي الأمر استجابة مالية عامة مماثلة لتلك التي حصلت خلال جائحة "كوفيد"، وما لا يقل عن 100 مليار جنيه مطلوبة لحماية الناس، لا سيما الذين يعيشون بمداخيل أقل، والشركات من ارتفاع الأسعار إلى مستويات لا يمكن تحملها.
أمامنا اختيار بسيط، تحمل التكاليف جماعياً كمجتمع أو ترك كل شخص يتدبر أموره بنفسه، وستكون تكلفة الخيار الأول باهظة، وستكون تكلفة الثاني أعلى كثيراً.
تتلخص القاعدة الأولى لإدارة الأزمات في التواصل، في الانفتاح والصراحة التامة مع الأطراف المعنية كلها حول طبيعة التحديات التي تواجهها.
لذلك أجد اختيار رئيس مكتب أسواق الغاز والكهرباء، جوناثان بريرلي، التخفيف من حدة الموقف مخيباً للآمال، وفق أقل تقدير.
على الهواء مباشرة في برنامج "بريكفاست" الذي تبثه "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي)، وبعد دقائق من استيقاظ الأمة على أنباء تفيد بأن فواتيرها في مجال الطاقة تضاعفت ثلاثة أضعاف خلال سنة، سئل عن توقعات الخبراء بأن سقف الأسعار سيقفز في يناير (كانون الثاني) ثم مرة أخرى في أبريل (نيسان). فأعلن أن أرقاماً كهذه يجب النظر فيها "بحذر شديد" وهي لا تزال مجرد "تكهنات" في هذه المرحلة.
كان موقفه أشبه بموقف قبطان "تيتانيك" وهو يقف على المتن وجبل جليدي ضخم يشرف عليه معلناً أن أحداً لا يستطيع أن يؤكد أن السفينة ستصطدم بالجبل.
لم تأت التوقعات التي اعتبرها تكهنات من فراغ، هي تستند إلى أسعار الغاز في السوق الحقيقية والمتاحة للجمهور – البيانات الدقيقة التي تدخل في خوارزمية مكتب أسواق الغاز والكهرباء لتحديد سقف الأسعار.
ببساطة، تأخذ الجهات الخبيرة في الطاقة، مثل "كورنوال إنسايت" و"أوكزيليون"، البيانات والحسابات نفسها التي يستخدمها المكتب وتحتسب ما سيكون عليه سقف الأسعار، وبالنسبة إلى سقف الأسعار الخاص بيناير الذي سيعلنه المكتب في نوفمبر (تشرين الثاني)، يعد أكثر من نصف بيانات الأسعار نهائياً بالفعل.
واستناداً إلى هذه الإحصاءات، يتجه السقف إلى ما يزيد كثيرا على 5300 جنيه (6211 دولاراً) في يناير وإلى مستوى أعلى في أبريل. هذه حقيقة، وليست تكهنات، والشيء الوحيد الذي من شأنه أن يخفض السقف هو انخفاض كبير في أسعار الطاقة الكلية، وهو تطور تستبعده أغلبية الخبراء إلى حد بعيد.
إن أسباب هذه الأزمة معروفة جيداً، كما أوضح بريرلي في المقابلة نفسها، قطع فلاديمير بوتين التدفق الرئيس للغاز من روسيا إلى أوروبا، واستخدم الخطوة كسلاح سياسي وسيواصل استخدامها كذلك، وما من احتمال كبير في أن يتراجع بوتين عن مساره ما لم تبادر البلدان الغربية إلى إنهاء العقوبات المفروضة على روسيا على الفور.
ليس من الضروري أن يكون المرء مستبصراً لكي يتوقع استمرار بوتين في تحريك الصنبور وتقليص إمدادات الغاز.
والأمر الأكثر إقلاقاً هو أن ذلك يعني أن التوقعات التي يبدو أن رئيس مكتب أسواق الغاز والكهرباء لا يريد الإقرار بها من المحتمل أن تبدو مفرطة في التفاؤل.
إذا احتُسب سقف الأسعار الخاص بيناير اليوم، سيبلغ 5300 جنيه في يناير ونحو 7000 جنيه (8204 دولارات) في أبريل. فقد تضاعفت أسعار الغاز في السوق خلال الأسابيع القليلة الماضية، وسيدفعها مزيد من خفض التدفقات من روسيا إلى الارتفاع مرة أخرى، ويكاد لا يوجد حد لمدى الزيادة التي قد تسجلها هذه الأرقام.
هل سقف أسعار يساوي عشرة آلاف جنيه ممكن؟ يجيبني خبراء بنعم، والناس في حاجة إلى معرفة ذلك، وعلى الرغم من هذا يبدو رئيس الهيئة المنظمة للقطاع وكأنه يحاول حماية عامة الناس من الحقيقة.
ومن المؤسف أنه ليس وحده في ذلك. قبل ثلاثة أسابيع، شرح محافظ بنك إنجلترا (المصرف المركزي) أندرو بايلي لماذا يتصور الآن أن معدل التضخم سيبلغ 13.3 في المئة هذا العام، في حين توقع قبل شهرين فقط أن يسجل عشرة في المئة.
وأعلن بايلي ونائبه بن برودبنت، أعذاراً لإصدارهما رقماً خاطئاً إلى هذه الدرجة، وزعما أن توقع ارتفاع أسعار الغاز إلى هذا الحد في الأسابيع القليلة الماضية كان يتطلب "بصيرة استثنائية".
ربما توقع المرء أنهما لا يرغبان في تكرار الخطأ نفسه مرتين، لكنهما قدما تقريراً تضمن السيناريو الأكثر تشاؤماً باقتصاد المملكة المتحدة، وتوقعا تسجيل أسعار الغاز ارتفاعاً بسيطاً قبل أن تعاود الهبوط.
تبين أن هذا السيناريو كان متفائلاً إلى حد كبير، وبعد أيام باتت أرقام المصرف [المركزي]، مرة أخرى، عديمة القيمة. لم يكن توقع ما حدث يتطلب بصيرة استثنائية. في الواقع، سألت خبراءعدة في ذلك اليوم وتوقعوا ما حصل.
سيكون لزاماً على الأسرة المتوسطة أن تدفع 700 جنيه (820 دولاراً) لتغطية احتياجاتها من الغاز والكهرباء في يناير وحده، وببساطة، لا تستطيع أسر كثيرة أن تتكيف مع متطلب كهذا.
وتشير تقديرات هيئة العمل الوطني في مجال الطاقة إلى أن 8.9 مليون أسرة ستعيش حالاً من انعدام القدرة على توفير الطاقة، ولن تتمكن من تدفئة مساكنها وإمدادها بالطاقة الكافية.
وتنشئ سلطات محلية "ملاجئ للتدفئة" يستطيع الناس أن يقصدوها لضمان عدم معاناتهم من البرد أثناء الشتاء.
لا بد من أن تستند استجابة الحكومة إلى السيناريوهات والافتراضات الأسوأ من بين السيناريوهات والافتراضات المعقولة.
لكن أين الخطة؟ حتى الآن، يقابَل هذا الوضع الذي لم يسبق له مثيل بصمت يتخلله من حين إلى آخر شعار فارغ عن قوى السوق وخفض الضرائب والكبرياء الوطنية.
في الأوقات العصيبة نحتاج إلى قادة على مستوى المهمة، ومن المؤسف أنهم غائبون.
COMMENTS