في هذا المقال للكاتبة السعودية سعاد العريفي، وهي كاتبة واكاديمية وحاصلة على درجة الدكتوراه في أمن المعلومات من المملكة المتحدة، تتحدث عن ال...
في هذا المقال للكاتبة السعودية سعاد العريفي، وهي كاتبة واكاديمية وحاصلة على درجة الدكتوراه في أمن المعلومات من المملكة المتحدة، تتحدث عن النظام الصحي في بريطانيا من وجهة نظرها، وتسرد عن بعض السلبيات والإيجابيات حول النظام وتقارنه عموماً بالقطاع الصحي السعودي كمثال لا للحصر.
بدورنا نحن نعاني ونعلم ونشاهد ونقرأ عن القطاع الصحي في المملكة المتحدة، ونجد قوائم الانتظار لديهم طويلة جداً، وأحياناً يكون تشخيص الأطباء خاطئ كما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي ، وصحيفة الديلي ميل البريطانية التي أوردت عن قيام مستشفيات NHS بدفع حوالي 600 مليون جنيه إسترليني كتعويضات للمرضى على مدى ثلاث سنوات لفشلهم في تشخيص الأمراض بما في ذلك السرطان. ولإننا نهتم في بكل الآراء، نود أن ننقل لكم وجهة نظر مختلفة ربما، نتفق معها أو نعارضها، لكن الأهم أن جميعنا يود في خدمة استطباب جيدة تريحه من آلامه وتحمي أطفاله.
ولا يفوتنا أن قضية الرعاية الصحية في المملكة المتحدة هي احدى أهم القضايا والعناوين التي تهم الشارع البريطاني الناخب والمرشحين للانتخابات العامة المقرر إجراؤها في 12 ديسمبر/ كانون الأول الجاري ، نظراً لتفاقم المشاكل في هذا القطاع.
يوم أمس، ولعارض صحي، اضطررت للذهاب إلى طوارئ «مستشفاي» الواقع خارج مدينة لندن في بريطانيا. الانتظار في الطوارئ يأخذ ساعات لأن الأولوية هي للحالات الحرجة، وأيضاً يعتمد على عدد الأطباء، والممرضين المتوفرين.
عند مدخل الطوارئ عُلِّقت لوحة صغيرة «سبورة» مكتوب عليها مقدار العجز أو «الفائض» في الطواقم الطبية في هذه اللحظة، مثلاً: الممرضات في التخصص الفلاني، المفروض أن يتوفر سبع ممرضات، والموجود ثلاثٌ فقط «عجز»، أو أن يكون عددهن اثنتين، والمتوفر أربع «فائض».
هذه اللوحة تساعدك في تقدير درجة الضغط، التي يعاني منها القسم الآن، وتتفهم لو انتظرت طويلاً، أو لو وجدت الممرضات «متأزِّمات»، فتحاول المساعدة، وتخفيف الضغط عليهن بألا تزعجهن، وتهتم بنفسك قدر الإمكان.
الخدمات الصحية في بريطانيا هي خدمات حكومية، تُقدَّم لكل السكان مجاناً، وسأشرحها باختصار: في كل قرية، أو مدينة، توجد وحدة صحية، أو أكثر «حسب تعداد سكان المنطقة»، والوحدة الصحية بسيطة، وهي عبارة عن «استقبال»، وغرف كشف، يعمل فيها أطباء، تخصصهم عام، أو أسرة، كما توجد ممرضات، وقد تذهب إلى الوحدة الصحية، وتكون حالتك بسيطة فلا تقابل إلا الممرضة، التي تساعدك فيما تحتاجه، وترجع إلى بيتك «تقيس ضغطك مثلاً»، وقد تذهب إلى الوحدة لمقابلة الطبيب، الذي بدوره يكشف عليك «كشفاً أولياً سريعاً»، ويعالجك إذا كانت حالتك بسيطة، أو يحوِّلك للمستشفى لمقابلة طبيب متخصص، وفي كل منطقة يوجد مستشفى كبير كامل، يخدم عدة مدن وقرى.
كل المستشفيات، والوحدات الصحية مرتبطة ببعضها إلكترونياً، وتعمل معتمدة على قاعدة بيانات واحدة، أي أن الباحث في المجال الصحي، أو المسؤول، يستطيع بـ «كبسة زر» أن يعرف كم مريضاً أخذ الدواء الفلاني اليوم، وكيف صار حالهم، ويستطيع أن يقيِّم بسهولة فاعلية دواء معيّن، أو مدى انتشار مرض، وتُبنى على قاعدة البيانات هذه دراسات، وتُتَّخذ قرارات، تُعمَّم على كل المستشفيات، والوحدات الصحية، في تطوير مستمر على شكل حلقة «تقييم، تطوير، تقييم، تطوير»، هكذا إلى ما لا نهاية.
إذا كنت في المنزل وشعرت بوعكة صحية عندك رقم عام، تتصل به، وتتحدث مع طبيب لكي تستشيره، وقد يعالجك، أو «يطمئنك» عن طريق الهاتف، وتنتهي المشكلة، وقد يطلب منك أن تذهب إلى الوحدة الصحية، أو أن تذهب إلى الطوارئ بسرعة، وإذا كنت مريضاً، أو لا تستطيع الذهاب إلى المستشفى، حينها تتصل بالإسعاف، وهناك نوعان من سيارات الإسعاف: نوع صغير «يشبه سيارات الشرطة»، يأتي بسرعة فائقة فقط لإنقاذ حياة المريض، أو المصاب، وتلحقه سيارة الإسعاف الكبيرة لتكمل إسعافه، وتنقله إلى المستشفى.
في الطوارئ، وبعد أن تكشف عليك ممرضة الطوارئ كشفاً أولياً لتتأكد من أن حالتك ليست خطرة، ولا تحتاج إلى إسعاف سريع، تطلب منك الذهاب إلى غرفة الانتظار، وتخبرك كم دقيقة ستنتظر. لكن «لا تنصدم» إن قالت لك ستنتظر خمس ساعات، ولو جاء إلى الطوارئ ثلاثة أشخاص مصابون في حادث، وحالتهم صعبة، حينها سينشغل كامل القسم بهم، ولن يتمكَّن أحد من خدمتك، ولربما ستنتظر 12 ساعة، أو قد تعود إلى المنزل دون علاج.
يحتاج المريض إلى أن يفهم أن قسم الطوارئ ليس بديلاً أسرع للعيادات، ولكن لإنقاذ الحالات الخطرة، أو لـ «تمشية الحال» إلى أن تتمكَّن من رؤية طبيب مختص.
قابلت سعوديين هنا، وقد كانوا ساخطين على النظام الصحي البريطاني. هو يزور الوحدة الصحية، ويتفاجأ من بساطتها، وبدائيتها. في الطوارئ يتضايق، وينتقد، وينعتهم بالتخلف لأنهم جعلوه ينتظر ساعات طويلة، و«زهق»، ورجع إلى البيت دون علاج، ويقول: «متخلفون حتى في السعودية ما يصير كذا».
نعم، تراه يغضب لأنه يفكر بطريقة مختلفة عن البريطانيين، فالبريطاني لا يرى أنه زبون مستهلك للخدمة الصحية، وإنما شريك، ومساهم.
البريطاني في الطوارئ عنده استعداد لأن ينتظر، ويعلم أن الأولوية للحالات المستعجلة.
يقرأ ما كُتب على اللوحة، ويلاحظ وجود قلة في عدد الطواقم الطبية المتوفرة، ويفهم أن اللوحة عُلِّقت لهدف معيّن، لا لأن تكون زينة، أو استعراضاً.
السعوديون الساخطون لا يفكرون بهذه الطريقة، هم يفكرون بـ «نفسية الزبون» الذي يحاول باستمرار تقييم الخدمة المقدمة إليه، والبحث عن خدمة أفضل، أما البريطاني فيفكر بـ «نفسية الشريك». وشتان بين الزبون والشريك.
بعض التعليقات على المقال:
COMMENTS