قراءة معمقة في فلسفة التعليم البريطانية مقارنة بأوروبا
أولًا: كيف يعمل المنهج في بريطانيا؟
في إنجلترا يوجد “المنهج الوطني” الذي تحدده وزارة التعليم. وهو يبيّن:
ما يجب على الطلاب تعلمه في كل مادة.
الأهداف والمهارات المطلوب بلوغها.
المحتوى العام الواجب تغطيته.
لكن لا تفرض الوزارة كتابًا رسميًا واحدًا لكل مادة. بدلًا من ذلك:
المعلمون والمدارس يختارون الموارد بأنفسهم.
يمكن استخدام كتب تجارية، أو أوراق عمل، أو منصات رقمية.
التعليم يُبنى حول المحتوى والمهارة وليس الكتاب.
النتيجة: لا يوجد “كتاب مقرر” موحّد لكل الطلاب، ولا حتى داخل المدرسة نفسها أحيانًا.
ثانيًا: ماذا يعني غياب الكتب من الناحية العملية؟
1. اعتماد كبير على أوراق العمل
الطالب يحمل غالبًا:
دفترًا واحدًا للكتابة.
أوراقًا مطبوعة لكل درس.
كتيبات صغيرة تُمنح عند الحاجة.
وهذا يجعل كل معلم قادرًا على تصميم موارده بنفسه.
2. انتشار الموارد الرقمية
كثير من المدارس تعتمد على منصات حديثة توفر:
خطط دراسية جاهزة.
فيديوهات تعليمية.
أنشطة وتمارين تفاعلية.
وبهذا تتحول الحصة إلى مزيج بين الشرح، النشاط، والمواد المرئية.
3. اختلاف كبير بين مدرسة وأخرى
نظرًا لغياب الكتاب الإلزامي، تختلف المواد المستخدمة من:
مدرسة إلى مدرسة.
صف إلى صف.
معلم إلى معلم.
لهذا لا يمكن لولي الأمر أن يسأل: “ما هو كتاب الصف الرابع هنا؟” لأن الإجابة ببساطة: لا يوجد كتاب ثابت.
ثالثًا: لماذا تخلّت إنجلترا عن نموذج “الكتاب الواحد”؟
1. فلسفة تعليمية تقدّمية
بدأ هذا الاتجاه منذ ستينيات القرن الماضي، وركز على:
دور الطالب في البحث، النقاش، والتحليل.
تقليل التلقين والحفظ.
منح المعلم حرية أكبر في اختيار الأساليب.
2. تكلفة الكتب المدرسية
أوراق العمل أرخص.
الموارد الرقمية جاهزة ومتجددة.
المدارس توفر المال بالابتعاد عن شراء كتب سنوية ثابتة.
3. دعم “التعليم التفاضلي”
4. ثقافة أوراق العمل
بعض الباحثين يرون أن بريطانيا أصبحت تُعرف عالميًا بأنها “أمة أوراق العمل”، وهي طريقة يرى البعض أنها:
تسهّل تجهيز الدروس.
لكن قد تضيع على الطالب فكرة وجود مرجع شامل ومتكامل.
رابعًا: الفروق بين مراحل التعليم في بريطانيا
1. المرحلة الابتدائية
مخططات تدريس من شركات تعليمية.
أوراق عمل.
كتيبات داخل الصف فقط.
2. المرحلة المتوسطة (Key Stage 3)
قد تستخدم بعض المدارس كتابًا تجاريًا في مادة أو مادتين، لكن لا يوجد إلزام رسمي.
3. سنوات الامتحانات: GCSE و A-Level
في هذه المرحلة تعود الكتب ولكن:
ليست كتب وزارة.
بل كتب تجارية مرتبطة بجهة الامتحان (AQA، Edexcel، OCR…).
تُستخدم للمراجعة داخل المدرسة وفي المنزل.
خامسًا: هل أوروبا مثل بريطانيا؟
1. فرنسا
نظام مركزي وواضح.
لكل مادة كتاب معتمد وواسع الانتشار.
حتى مع انتشار الرقمية، يبقى الكتاب الورقي مرجعًا أساسيًا.
2. ألمانيا
رغم أن النظام فيدرالي، إلا أن الكتب جزء لا يتجزأ من التعليم.
الكتب تبني الدرس وتوفر مسارًا واضحًا للمعلم والطالب.
معظم المواد تعتمد على كتب رسمية منسقة.
3. الدول الاسكندنافية
موارد رقمية متقدمة جدًا.
لكن الكتب ما تزال موجودة، خصوصًا في المراحل الحساسة.
الخلاصة الأوروبية
بريطانيا حالة استثنائية في ضعف الاعتماد على الكتب، بينما بقية أوروبا تعتبر الكتاب المدرسي عنصرًا محوريًا.
سادسًا: النقاش داخل بريطانيا حول غياب الكتب
1. من ينتقدون الوضع
يقولون إن غياب الكتب يؤدي إلى:
زيادة عبء التحضير على المعلمين.
فقدان مرجع ثابت للأهل.
تفاوت كبير في جودة الموارد.
ضعف القدرة على متابعة ما يتعلمه الطفل يوميًا.
كما يشيرون إلى أن الدول المتقدمة في التصنيفات الدولية تستخدم الكتب المدرسية بكثافة.
2. من يؤيدون النظام الحالي
ويقولون إن:
المرونة تُحسن التعليم.
المعلم يصبح مصمم الدرس لا منفذًا لكتاب جامد.
المواد يمكن تحديثها باستمرار.
كل صف يتلقى تعليمًا يناسب مستواه.
سابعًا: ماذا يعني هذا للأهل العرب في بريطانيا؟
1. لا تتوقع وجود كتاب لكل مادة
الأمر طبيعي في النظام البريطاني، وليس نقصًا.
2. متابعة التعلم تختلف عن الأنظمة التقليدية
ستعتمد على:
الأوراق.
المنصات الرقمية.
التواصل المباشر مع المدرسة.
3. أهمية التنظيم في المنزل
جمع الأوراق وترتيبها ضروري لأن الطالب لا يمتلك كتابًا شاملًا.
4. في السنوات المتقدمة سيحتاج الطالب شراء كتب
خصوصًا كتب GCSE و A-Level للمراجعة.
حرية أكبر للمعلم،
مرونة في المصادر،
موارد رقمية قوية،
واستخدامًا محدودًا للكتب الورقية.
بينما أوروبا عمومًا ما تزال تتمسك بالكتاب المدرسي كأداة مركزية في التعليم.
COMMENTS